الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الحبيب المحبوب القائل : « وجُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة » . والذي أَودُّ ذِكره هنا أن صلاة الفجر مع الجماعة ، قد اختُصتْ بفوائدَ وأسرارٍ عظيمة انفردتْ بها عن سائر الصلوات ، ومن يطَّلعُ على واحدةٍ من هذه الفوائد يجد أنها كافية أن تستنهض همَّة المؤمن ، وتُحرِّك عزيمته ، وتبعثُ نشاطه ، وتحمله على هجر النوم والكسل وترك الفراش والبيت الدافئ ، لينطلق في لهفة وحماس لتحصيل الخيرات والكرامات من رَبِّ الكرامات سُبْحانه بأداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة من غير تأخير .
ومن فوائِدها :
الدخول في ذمَّة الله : عن جندب بن عبدالله بن سفيان البُجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يَطلُبَنَّكم الله من ذمَّته بشيء؛ فإن من يطلُبهُ من ذمته بشيء يدركه، ثم يَكُبه على وجهه في نار جهنم » (رواه مسلم وأحمد) . فمن صلَّى الصبح في جماعة ، فهو في ضمانه تعالى وأمانه وعهده ، وليس لأحدٍ أن يتعرَّض له بسوء ، ومَن نقض عهد الله تعالى فإنه يطلبه للمؤاخذة بما فرّط في حقِّه والقيام بعهده .
أجر قيام الليل : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « مَن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصُبح في جماعة فكأنما صلَّى الليلَ كلَّه » . (رواه مسلم) .
البراءَةُ من النفاق : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « ليس صلاةٌ أثقلُ على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهم ا، لأتَوهُما ولو حبوًا ، ولقد هممتُ أن آمُرَ المؤذِّن فيُقيم ، ثم آخُذَ شُعلاً من النار فأحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعد » . (رواه والبخاري ومسلم) .
النور التام يوم القيامة : عن بُريدة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنهُ قال : « بَشِّرِ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة » . (رواه أبو داود والترمذي) .
شهود الملائكة له وثناؤهم عليه عند الله تعالى : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : « يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرُجُ الذين باتوا فيكم فيسألُهم ربُّهم _وهو أعلم بهم_ : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلُّون ، وأتيناهم وهم يصلون » . (رواه البخاري ومسلم) .
فضل اغتنام سنة الفجر : عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال : « ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها ». (رواه مسلم) .
النجاة من النار : عن عُمارة بن رويبة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : « لن يَلِجَ النار أحدٌ صلّىٰ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها » ، أي الفجر والعصر . (رواه مسلم) .
الفوز برؤية الله تعالى يوم القيامة : عن جرير بن عبدالله البُجلي رضي الله عنه قال: كُنّا جلوساً عند رسول الله ﷺ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : « أَمَا إنكم سترَون ربَّكم كما ترَون هذا القمر لا تُضَامُّون في رؤيته ، فإن استطعتُم ألا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمسِ وقبل غروبها فافعلوا » ، (رواه البخاري ومسلم) .
ومما يعين المؤمنَ على الاستيقاظ لصلاة الفجر في وقتها ألاَّ يطيل السهر بعد العشاء ، وأن ينام باكرًا لوقت يمكنه فيه أن يصحو نشيطًا ويهرع إلى المسجد . فمَن منَّا لايحرص على أن يكون في أمان الله يرعاه ويتولاه ؟!! ومن منا لايحرص على أن يكون له ٌنور تامٌ يوم القيامة ؟!! يقول تعالىٰ ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)﴾ سورة الحديد. ومَن ذاك الذي لا يهمُّه أن يكون بريئًا من النفاق براءةً تُنجيه من هول ذلك اليوم ، ومن سوء الحساب يوم القيامة ؟!!. ومن ذاك الذي لا يجد في نفسه حُبًّا وشوقًا للفوز برؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة ؟!! ليدخل في عِداد من قال الله ﷻ فيهم : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾ سورة القيامة .
إذاً ، أفلا تستحقُ مِنّا هذه الفوائد أن ننفُض غُبار النوم عنّا والكسل ، ونسارع لإغتنام هذا الخير العظيم ، قبل انقضاءِ أعمارِنا في هذه الدنيا الفانية ؟!! . إعلم يا أخي المُسلم أنك إذا جاهدتَ نفسك وهرعتَ إلى المسجدِ عندما ينادي المؤذِّن : [ الصَلاةُ خيرٌ من النَوم ] ، وأدَّيت هذه الفريضةِ العظيمة مع الجماعة، فستجد لذلك حلاوة ومتعة لا يُفصح عنها لسان ، ولا يُعبَّر عنها بالبيان . فإذا تذوقتَ حلاوة الطاعة وتنعّمتَ بما فيها فإنك لن تستغني بعد ذلك عنها ، بل ستصبح أشدَّ حِرصاً عليها واهتمامًا بها ورغبةً فيها كلما مرت بك الأيام وامتدت بك الأعوام .
أللّٰهُمَّ أعِنَّا على ذِكرك وعلى شُكرِك وحُسن عبادتك ، واجعلنا ممن يسارعون في الخيرات ، ويسابقون إلى الطاعات . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، ولمثل هذا فليعملِ العاملون .
_____________________________________________
• مُقتبس من من مقال لحسن رمضان البوطي [موقع طريق الإسلام] .